الفرق بين الصبر و التصبر و الاصطبار و المصابرة
الفرق بين هذه الأسماء بحسب حال العبد في نفسه و حاله مع غيره.
فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن، إن كان خلقا له وملكه، سمي " صبراً "
وإن كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي " تصبراً "
و إذا تكلفه العبد و استدعاه، صار سجية له، كما في الحديث عن النبي أنه قال " ومن يتصبر يصبره الله"
كذلك سائر الأخلاق، و هي مسألة اختلف فيها الناس : هل يمكن اكتساب واحد منها، أو التخلق لا يصير خلقاً أبداً ?
كما قال الشاعر:
يا أيها المتحلي غير شيمته ** إن التخلق يأتي دونه الخلق
قالوا و قد فرغ الله سبحانه من الخلق و الخلق و الرزق و الأجل.
و قالت طائفة أخرى بل " المزاولات تعطي الملكات "
و معنى هذا أن من زاول شيئاً و اعتاده وتمرن عليه، صار ملكه و سجيه وطبيعه.
قالوا " العوائد تنقل الطبائع "
و قد جعل الله سبحانه في الإنسان قوة القبول والتعلم، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل.
غير أن هذا الانتقال قد يكون ضعيفاً، فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث.
و قد يكون قوياً ولكن لم ينقل الطبع، فقد يعود إلى طبعه إذا قوي الباعث و اشتد.
وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبه طبعاً ثانياً، فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذي انتقل عنه.
أما " الاصطبار " فهو أبلغ من التصبر. فإنه افتعال للصبر بمنزلة الاكتساب.
فالتصبر مبدأ الاصطبار، كما أن التكسب مقدمة الاكتساب. فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطباراً.
أما " المصابرة " فهى مقاومة الخصم في ميدان الصبر.
فإنها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين، كالمشاتمة و المضاربة. قال الله تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
فأمرهم بالصبر، وهو حال الصابر في نفسه.
و المصابرة، وهي حاله في الصبر مع خصمه.
و المرابطة، وهي الثبات و اللزوم و الإقامة على الصبر والمصابرة.
فقد يصبر العبد و لا يصابر، و قد يصابر و لا يرابط، و قد يصبر و يصابر و يرابط من غير تعبد بالتقوى.
فأخبر سبحانه أن ملاك ذلك كله التقوى، و أن الفلاح موقوف عليها، فقال :
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
فالمرابطة كما أنها لزوم الثغر الذي يخاف هجوم العدو منه في الظاهر، فهي لزوم ثغر القلب لئلا يدخل منه الهوى و الشيطان فيزيله عن مملكته ..